هل تسمعني ليبيا ! ... خضوع السلطة السياسية للمحاسبة
هل تسمعني ليبيا ! ... خضوع السلطة السياسية للمحاسبة
أعوام مضت و لدينا الكثير من الاستحقاقات التي لم تستوجب بعد، عندما ما اكتشفنا أن مجريات الأمور الصعاب والمشاكل في البلاد كانت مسببها من الدائرة السياسية الليبية وليس خارجها، ولكن المشاكل الصعاب أساسها الصراع القائم بين أقطاب السياسي المتنازعة.
كان لبد من ضرورة ومطالبات تبني مشروع قانون الاستفتاء على الدستور الدائم للدولة الليبية ومن ثم تحصين قانون الاستفتاء دستوريا، قبل الشروع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة.
لكن، أين هو مشروع الدستوري ؟ وأين هي نصوصه ومواده الدستورية ؟ ، التي كان يجب أن تحاسب بها الساسة الليبية الذين تقاعسوا عن أداء أدوارهم السياسية حسب ذالك المشروع الدستور الذي لم يخرج حتى هذه اللحظة على الساحة السياسية الليبية !
السلطة التي لا تعرف حدوها الدستورية قادرة على إفساد ما تبقى في ليبيا من قواعد ضبط الصراع السياسي الداخلي والتي تضع كافة الأطراف حاكما ومحكومين لقواعد دستورية متكافئة يلتزم بموجبها الجميع.
نعرف جيدا، الذين ليس لهم العلم الكافي في الفقه الدستوري ومن الضوابط الدستورية، أي إن لدستور آلية لإدارة الصراع ذالك يعني انه هو الذي يحدد قواعد ممارسة النهج السياسي.
لقد ذكرنا مرارا وتكرارا بأن الخطورة ليس في إجراء انتخابات متعجلة وسريعة عند نهاية العالم الجاري، ولكن الخطورة تكمن في مضامين شروط وأسس الشرعية الدستورية التي من شأنها تخضع كافة ألأطراف حاكما ومحكومين الى الدستورية الشرعية الليبية.
لا نتفق مع بعض القوى الوطنية، الذين يطالبوا ويدعوا الى حوار بين القوى الفاعلة على الارض بدون الرجوع الى الدستورية الشرعية الليبية، أي أن القبائل والقوى السياسية والمليشيات المسلحة الليبية يجب من إشراكهم تحت غطاء دستوري يحميهم.
التوافق الحقيقي والتواصل الى حكومة موحدة في ليبيا لا تتم بمجرد إقحام تلك القوى المتصارعة في برنامج سياسي قد يتغير البرنامج حسب مزاج أطراف الصراع والتي تكون خالية من ضمانات وواجبات وحقوق دستورية.
هذا بما يتعلق بالأحزاب والقبائل الليبية والمليشيات المسلحة الليبية التي تحمل السلاح هنا وهناك خارج سلطة الجيش الليبي من القوات المسلحة الليبية، القوى المسلحة الليبية التي نعتبرها الدرع الموحد لشعب الليبي هي التي تكون تحت القيادة العسكرية الليبية الواحدة.
نعم مع متطلبات الأمم المتحدة التي طالب بها غسان سلامة في خارطة طريق التي تتكون من ثلاثة مراحل انتقالية غير متتالية ولكن الدستور الليبي له الأهمية القصوى يعمل على عدم تمرد أي طرف كان من أطراف النزاع مستقبليا.
قرارات الشعب الليبي هي قرارات تبنى الدستور، ولكونها قرارات ديمقراطية يتوافق عيها الجميع، فالشرعية الدستورية عمل مستحيل مخالفته لطبيعة الأشياء، فالناس جلوا على الإخلاف وفي الدولة لا يختفي فيها الخلاف السياسي ولكن لا خلاف في النصوص والقواعد الدستورية التي يتفق عليها الجمع.
يلزم المرء من منظور الانتخابات في نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل آو حتى في الأعوام القادمة بالتباع القواعد الناجحة التي تقنن العملية الدستورية في ليبيا، ومن ثم خوض السباق الانتخابي عبر صناديق الاقتراع لتدبير شؤون الدول الليبية
أي أن تحقيق الضمانات الأممية لمجرد الاستعجال وترضية غسان سلامة الذي لزال مصر إصرارا على إجراء الانتخابات الرياسية والبرلمانية دون تثبيت الدستور الدائم .
القبول بهذه الحالة دون وجود دستورا شرعيا نعتمد عليه، يحتم علينا الرجوع مرة أخرى الى الفشل والعجز السياسي، لن أساس العملية الدستورية هو اخضع السلطة العامة للحدود الدستورية ولا يجوز تخطيها.
إذن أن يتم التوافق خلال المجلسة التي عقدها مجلس النواب بحضور 92 عضوا على مشروع قانون الاستفتاء ليكون التصويت عليه تحصينا دستوريا، آمر في بالغ الجدية لما له من أهمية دستورية والثقل السياسي في فك النزعات بين أطراف النزاع.
غير أن لا بديل عن الشرعية الدستورية في إدارة الصراع، ليس بمنع الصراع نفسه بين أطراف المتنازعة سياسيا التي من الممكن أن تعمل على تحقيق المصالح الاقتصادية المتضاربة، بل كما لا يخفى علينا أن العمل السياسي متعلق بفكر القياس سالفة الذكر في العملية الدستورية.
الواضح أن تحصين قانون الانتخابات دستوريا يكون بتعديل الإعلان الدستوري وتحصين المادة السادسة حثي لا يتم الطعن في القانون نفسه، وبوجه عام تتميز العملية الدستورية من وجود الدستور نفسه على ارض الواقع والتي تتعلق بالعلاقات بين الأجسام السياسية.
مشروع الدستور هي وثيقة تاريخية و ثقة الشعب الليبي في الكيان السياسي القائم ولكن المشكلة تكمن في تعدد الأجسام السيادية الموازية التي ليس لها علاقات بعملية التجريب والملاحظة بأذن وشيجة في حكومة الاتفاق الوطني والحكومة المؤقتة ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبية.
بعد إقرار الدستور في الدول الليبية من قبل الشعب الليبي نعمل القوى الوطنية، الأحزاب والقبائل الليبية خوض وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حيث نحقق التبادل السلمي للسلطة دون أن يكون هناك هيمنة، وهو أمر لا يبدوا أننا قادرين من تحقيقه الآن في غياب الدستور.
من يحاول التدليل على أن كل الاستحقاقات واجبة على الشعب الليبي دون وجود دستورا دائما في البلاد يكون على خطاء فاحش، لان الدول العصرية تأسس ليس بالانتخابات الرئاسية والتشريعية فقط دون وجود دستور يعمل على إدارة الدولة بين افراد مجتمعها، بل هي عملية إدارة الحاكم والمحكوم، وهي ضرورة مطلقة في استقرار الدولة الليبية.
من جهة أخرى من هذه الخصية التي تتميز بها ليبيا في الإعلان الدستوري إرساء منهاج سياسي تتغلب على هيمنة اتجاه سياسي واحد آو عنصر واحد، على اللعبة السياسية ، وبهذا الحديث يخدم التطور السياسي الفلسفي وإصرار الشعب الليبي على المثول الى الشرعية الدستورية الليبية.
التعايش الحقيقي، قبل الانتخابات والتراضي على أصول اللعبة السياسية وليس الهيمنة، لأنه لا سبيل لفرضها إلا بالديمقراطية الحقيقية وقهر الاستبداد ومقاومة العنف من العمليات المسلحة القائمة اليوم في ليبيا والتي تشكل كارثة إنسانية.
تعايش القوى السياسية والأحزاب والقبائل الليبية والجماعات المسلحة الليبية تحت إطار الدستور، يعمل على تجنب الصراعات ووقف للدماء، وهذه كلها لا توفرها الدوائر الانتخابية بل يوفرها الدستور الذي يشمل الجميع ويحضن الجميع.
التصويت على الإعلان الدستوري وتبني جميع مواده التي تتعلق بهيكلة النظام السياسي الليبية الجديد في نطاق دولة الجمهورية العربية الليبية المنصوص عليها في الإعلان الدستوري، فأن السلطة السياسية تكون مطروحة في الصندوق الاقتراع يقررون الناخبون من يتولى شؤون الدولة الليبية.
التخصصية المفرطة في العمل السياسي لا تخدم حرية التعبير والتنظيم والوصول الى المعلومات،بالنسبة الى المشاركة العامة والى المكونات السياسية للأمة الليبية، ولكن الأمر يرجع الى الحريات السياسية العامة بين تداول السلطة.
إذا كان لشعب الليبي الحق في تقرير مصيره، فإنه بحاجة الى سلطات من داخله وليس من خارجه وعندما يكون الأمر متعلقا بحكومة يتولاه أناس قادرين لوضع كوابح على السلطة من داخلها وليس من خارجها، فالرجوع الى السلطات الثلاث المنصوص عليها في الدستورية لوضع الأمور في نصابها القانوني.
لا شك أن اختيار الحكومة بواسطة الشعب هو أساس الرقابة على الحكومة، ولكن خبرتنا السياسية تؤكد لنا ضرورة وضع تحوطات إضافية التي تمكنها القوانين التي تسنها السلطة التشريعية وتقوم السلطة القضائية بإصدار الأحكام الدستورية التي من شأنها تحدد طريق آلية تراجع بعضها البعض .
المحاسبة هي في الأصل محاسبة دستورية تخضع جميع السلطات للمحاسبة، عندما تتجاوز تلك السلطة المحددة حدودها الدستورية، وهذا يتم في أنظمة الحكم في العالم الديمقراطي بدرجات متفاوتة، ومفاتيح حل هذه المسألة القانونية هو صاحب السلطة الحقيقية الشعب الليبي في محاسبة السلطات الثلاثة المعلنة عليها في الإعلان الدستوري.
النصوص في الإعلان الدستوري لا تعني شي في غيابها، بل تظل حبيس الكتب والأدراج المكتبية عندما لا تتوفر الأجهزة الفعالة القارة والراغبة في إنفاذها في دول المؤسسات الليبية الوطنية،.
لعلى الفترة التي نعيشها ليبيا في تخبط بين الدستور الدولة الليبية لعام 1951 والمعدل في عام 1963 والإعلان الدستورية الذي مستمد من مواده ومن دساتير دولية أخرى، واضحة لا الدلالة على الحديث عليها.
الحكومات الحالية في غرب البلاد وشرق البلاد لا جدال فيها ستضل تعمل وفق لما تقتضيه هذا المرحلة الحرجة دون وجود دستور ديمقراطي في محاولة تحسن الظروف الحالية، والأحسن ضمن الخيرات المتاحة على الساحة السياسية الليبية.
وبوجه عام، فإن الساسة الليبية اليوم غير ملزمين بالإجابة عن الإحكام الدستورية المعلنة عليها في الإعلان الدستوري الليبي التي تستفسر عن إمكانية تطبيق الوثيقة الدستورية وأحكام الدولة الليبية المتصلة بحقوق الشعب الليبي التي لم تصادق عليها باستفتاء عام من قبل الشعب الليبي.
لكن – على فرض وجوب ووجود ما ازعم وجوده بأنها تجير السلطات السياسية الى القانون، والى سلطة الحقوق والحريات العامة، فإذا لم تصادرها الدولة الليبية أو أن تنقص منها، فان التفسير يتسق مع الفهم العالمي الديمقراطي، كما أن العودة الى المسار الدولي المتصل بحقوق الإنسان لا مفر منه !
بقلم الأستاذ رمزي حليم مفراكس
رجل أعمال – كاتب ومحلل سياسي واقتصادي ليبي
مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية