السياسات الثقافية في ليبيا
السياسات الثقافية في ليبيا
October 20, 2017 ريما إبراهيم
التمهيد
شكّل الإعلام في ليبيا أوّل ملامح التحرك الثقافي منذ عهد الحكم العثماني وانتشرت الصحافة المحلية منذ عام 1866 ولعبت دورا مهما في نشر الوعي السياسي وتعزيز الهوية الوطنية في الفترة بين عامي 1908 و1911. انتشرت بعض الدوريات و الصحف التي تصدر عن السلطات العثمانية ب طرابلس بالعهد العثماني الثاني (1865-1911) و اختصت بنشر القرارات و الإعلانات و الإحصائيات الرسمية للحكومة العثمانية، و كانت أول الصحف الليبية ظهوراً هي صحيفة طرابلس الغرب التي كتبت بالعربية و صدر أول عدد لها عام 1866 و هي صحيفة رسمية تتبع للسلطة العثمانية في ليبيا استمرت في الصدور لمدة 44 عاما حتى بداية الاحتلال الإيطالي، أشرف على تحريرها عدة شخصيات ليبية من مثقفين و أدباء و مؤرخين[1]. أدى صدور قانون المطبوعات عام 1907 بعد عودة دستور عام 1877 إلى العمل بفضل جهود حزب الاتحاد والترقي إلى تشجيع حركة النشر و الطباعة و ازدهرت الصحافة الليبية بعودة و استمرارية بعض الصحف المحلية مثل صحيفة الترقي التقدمية و ظهور عناوين صحف جديدة، و وصل عدد الدوريات إلى 14 دورية بالسنوات الأخيرة للحكم العثماني.
وعلى عكس ذلك شهدت فترة الاحتلال الإيطالي ركوداً ثقافياً وفكرياً بالبلاد فيما عدا ما أنتجه الاحتلال من دوريات صحفية لاتينية و معمار روماني و مدارس إيطالية حديثة و خدمات صحية مجانية تروج لثقافة المستعمر و تشجع لانتشار الجالية الإيطالية بالبلاد في حين توقفت جميع الدوريات العربية عن الصدور في فترة الاحتلال الإيطالي بعد صدور قرار ملكي لتنظيم المطبوعات يأمر بوقف الدوريات المحلية الليبية. بعد قيام الجمهورية ال طرابلس ية التي تتبع لإدارة الحكومة الإيطالية عادت حركة الطباعة و النشر لإقليم طرابلس و برقة، حيث انتزعت بعض الحقوق المدنية و خاصة حرية الصحافة بجهود من حزب الإصلاح الوطني، رغم ذلك حوربت بعض الصحف لكونها تنشر الوعي السياسي بين المواطنين و تحرض ضد الاستعمار الإيطالي. أسس النادي الثقافي ب بنغازي كملتقى سياسي يجمع بين مفكرين ليبيين و أصدرت دورية "الوطن" عام 1920، غير أنه تم إيقافها من قبل المستعمر لتأييدها لاستقلال برقة. ساهمت المطابع الخاصة في ذلك الوقت في ازدهار حركة النشر من دوريات و صحف و مخطوطات و مناشير سرية عمت حركة النضال الليبي ضد الاحتلال الإيطالي، غير أن حكومة الاحتلال قاومت الحركة الصحافية بتعسف و صرامة مما أدى إلى توقف جميع الدوريات الداعمة لحركة الجهاد الليبي. ساهمت مدرسة الفنون و الصنائع الإسلامية التي أسست عام 1895 أثناء العهد العثماني في طرابلس بتعليم الحرف اليدوية و خصوصاً الطباعة لطلابها الليبيين، مما دعم حركة النشر الخاصة أثناء الاحتلال الإيطالي رغم قرارات توقيف عمل المدرسة الصادرة عن الاحتلال التي عرقلت استمراريتها حتى عادت للعمل عام 1922 بقرار من الحكومة الإيطالية. تولى الحزب الإيطالي الفاشستي الحكم في إيطاليا عام 1922 و أطلق حملة عسكرية عنيفة على ليبيا و سياسة أكثر صرامة، ألغيت كافة المواثيق التي ضمنت بعض الحقوق المدنية للمواطنين الليبيين و منها حرية الصحافة، فأصحبت الصحافة بالبلاد أداة للترويج لسياسة الحزب الفاشستي و اقتصرت حركة الطباعة و النشر على الدوريات الإيطالية، في تركيز على نشر الثقافة الإيطالية و إلغاء تام لأي حركة فكرية أو ثقافية ليبية، و يصف د. عمر الشيباني السياسة الثقافية للاحتلال الإيطالي كالتالي: " ..إيطاليا لم تكن مهتمة بنشر الثقافة العربية الأصلية في ليبيا و لا بتثقيف الليبيين الثقافة الحقة التي توسع مداركهم و تعرفهم بمشاكل مجتمعهم الليبي و مشاكل أمتهم العربية الإسلامية و قضايا العالم الذي يعيشون فيه و تنمي لهم روح الالتزام نحو قضايا مجتمعهم و أمتهم. فكانت الثقافة التي اهتمت إيطاليا بنشرها في ليبيا: إبراز ثقافتها و حضارتها و مظاهر قوتها و جوانب القوة في تاريخها و نشر لغتها و فكرها السياسي. و كان تثقيف الليبيين في نظرها غزو عقولهم و تنمية حبهم و ولائهم و إخلاصهم لإيطاليا."[2] سمحت الحكومة الإيطالية في فترات محددة بظهور بعض ملامح الثقافة الإسلامية، حيث انتشرت المدارس القرآنية الأهلية و بعض نشاطات الطرق الصوفية، و قامت ببناء بعض المساجد بعد عام 1935 و أسست إدارة الأوقاف المدرسة الإسلامية العليا ب طرابلسعام 1935 التي ضمت مناهج في الفقه الإسلامي و الإجراءات القضائية. دعمت السلطات الإيطالية بعض من مطبوعات اليهود الليبيين بطرابلس حيث انتشرت عدد من الدوريات العبرية و الإيطالية بإدارة يهودية إيطالية و خصصت بعض الدوريات الإيطالية الحكومية صفحات باللغة العربية لدعم الحركة الصهيونية[3]، و برزت بعض النشاطات الثقافية اليهودية و مدارس تعليم اللغة العبرية و حركة صحفية يهودية خصوصاً بعد انتشار الجالية الإيطالية اليهودية المهاجرة إلى ليبيا أثناء الغزو الإيطالي. بالمجمل اتسمت المرحلة الاستعمارية الإيطالية بسياسة ثقافية تعزل الهوية الليبية و تعرقل كافة نشاطاتها الثقافية إلا ضمن ما تسمح به الحكومات المتبدلة بإيطاليا، و تهدف إلى إدماج الإيطاليين داخل المجتمع الليبي و فرض ثقافتهم و لغتهم تمهيداً حتى يكون الساحل الليبي جزءا من المملكة الإيطالية، سواء بالدعاية الإعلامية عن طريق الصحف و الدوريات، أو بنشر المدارس الإيطالية الحديثة المجانية، أو بالحملات التعسفية و القرارات المجحفة المصادرة للحريات و الحقوق المدنية لليبيين. أصبحت ليبيا تحت حكم الإدارة العسكرية البريطانية و الفرنسية عام 1943 بعد توقيع اتفاقية لاهاي و انسحاب القوات العسكرية الإيطالية. سمحت الإدارة البريطانية بتنظيم الأحزاب السياسية و بحرية الصحافة بعد ظهور حراك سياسي سلمي أجبر الإدارة البريطانية على منح المواطنين بعضا من حقوقهم المدنية، و انتشرت النوادي الثقافية و الاتحادات العمالية و المهنية و النوادي الرياضية و الأحزاب السياسية الوطنية التي تدعو لوحدة البلاد و استمرت في المطالبة بالحقوق السياسية و المدنية من خلال نشاطها السياسي المدني و الصحف و المجلات التي تصدرها. كان توجه الصحافة في ذلك الوقت يرتكز على دعم الحراك السياسي الوطني من أجل الوحدة الوطنية الليبية و نيل الاستقلال، رغم ذلك تمت مصادرة و إيقاف بعض الصحف التي تعارض سياسة الحكومة البريطانية. ظهرت أيضاً إذاعة محلية ليبية ببرامج ثقافية و دينية و سياسية ساهمت في نشر الوعي السياسي و الروح الوطنية. أدى تبدل الحالة الثقافية في ليبيا أثناء فترة حكم الإدارة البريطانية إلى دعم الحركة السياسية ومساعي الليبيين إلى
نيل الاستقلال وتوحيد البلاد.
باقي محتويات التقرير:
أولاً: السياسات الثقافية أثناء فترة المملكة
ثانياً: السياسات الثقافية أثناء فترة حكم القذافي
ثالثاً:السياسات الثقافية ما بعد 2011
رابعاً: الخلاصة و التوصيات
المنظمة الليبية للسياسات و الإستراتيجيات
http://loopsresearch.org/projects/view/213/?lang=ara لتحميل وقراءة التقرير كاملاً اضغط الرابط التالي: