top of page

أثر الجغرافيا والديموغرافيا في الصراع والحل في ليبيا


أ. إسماعيل رشاد

أ. إسماعيل رشاد

أشرت في مقال سابق إلى دور الدين والجماعة الاجتماعية في الصراع على السلطة في ليبيا، وفي هذا المقال أفترض أن أي باحث في التاريخ الليبي الاجتماعي والسياسي يخلص إلى أن الصراع على السلطة في ليبيا له من وجه آخر موضوعي يتعلق بالجغرافيا التي تشكلت عليها دولة ليبيا الحديثة بحدودها المعروفة اليوم، وتعيش فيها مجموعات ديموغرافية لم ينشأ بينها لأسباب موضوعية كذلك تفاهمات على منطق ونمط العيش المشترك، بل اختلفت منذ الأيام الأولى من الاستقلال.

لم يكن القطر الليبي المعاصر من جهة الاجتماع والسياسة والإدارة والاقتصاد نتاج تطور كامل للعوامل المحلية في ليبيا وإن وجدت ملامحها الأولى وبماهية لا تتطابق مع التعريف الحديث للدولة؛ حيث لم ينجح الحكم العثماني في حقبتيه؛ الأولى التي بدأت في القرن 16 وبينهما كانت فترة حكم الأسرة القرمانلية في بناء هوية وطنية ليبية قطرية تتأسس عليها الدولة الحديثة لاحقا.

ربما معالم القطر الليبي الذي نشأ بعد الاستقلال في 1951 بدأت تتشكل إبان الاحتلال الإيطالي انطلاقا من سببين أولهما النضال ضد المحتل الواحد،فشارك في المقاومة سكان الأقاليم الثلاثةطرابلس وبرقة وفزان وإن كانت مشاركة منفصلة في أغلب مراحلها، ثم ثانيا القرارات التي أصدرها الاحتلال بشأن التعامل مع ليبيا موحدة وفق الجغرافيا التي شكلت حدود ليبيا الحديثة في ثلاثينيات القرن العشرين، وبالتالي دشنت المقاومة وقرارات الاحتلال بداية تأسس ليبيا الدولة المعروفة على الأقل من جهة القانون ووفق التعريفات النظرية لعلم السياسة الحديث.

لكن التاريخ الاجتماعي باعتباره الأساس الأهم الذي تنتج عنه الحالة السياسية المستقرة في أي بلد لما يحوي من أنماط الإدارة والاقتصاد،لم تكتمل مساراته البنيوية في ليبيا ليأذن بولادة دولة قطرية حديثة تخضع لشروط وتعريفات الدولة الحديثة. وذلك لأسباب تتعلق بعدم توصل مؤسسي الدولة الليبية إلى اتفاقات تأسست عبر مفاوضات ومساومات ثم انتهت إلى تعاقد اجتماعي سياسي ينتج عنه هوية وطنية قطرية، وتوضع وفقه برامج تنشئة اجتماعية شاملة لتشكيل الشخصية الوطنية القطرية؛ لأن ضخامة مساحة ليبيا المعاصرة، وعدم اندماج كامل مكوناته الديموغرافية التي تقطن هذه المساحة المترامية الأطراف وتدخل العوامل الخارجية لم تسمح بالتطور الاجتماعي والاقتصادي الذي تنشأ عنه الهوية السياسية المتوافق عليها. ومن الممكن أن يفسر عدم توصل جيل المؤسسين لمنطق وأنماط التعايش بتركيزهم على أولوية الاستقلال من الاحتلال وإنقاذ ليبيا من الدخول في نفق انتداب بريطاني فرنسي طويل.

لقد شكل سكان مدينة طرابلس بشكل خاص اتجاهات اجتماعية ونشاطات اقتصادية لأنفسهم غير مرتبطة بمناطق ومدن وبوادي برقة خاصة في درنة واجدابيا وبعدهما بنغازي ؛ حيث ارتبطتطرابلس إما بالقرصنة والتجارة البحرية، أو التجارة البرية مع فزان مع علاقات اجتماعية ونشاط اقتصادي متصل مع الجارة تونس وتخضع سياسيا لنمطين من الإدارة الخارجي التركي أو المحلي المتمثل في مجالس أعيان البلد.

في المقابل نشطت حركة التجارة والعلاقات الاجتماعية في برقة مع مناطق مصر الحدودية التي شكلت سوقا دائما للفائض من إنتاج الحبوب والمواشي التي تبيعها قبائل برقة في الشمال والجنوب الشرقي في مطروح وسيدي براني وغيرها من المناطق المصرية. وكذلك كانت حركة القبائل من برقة تتجه من وإلى مصر وهو أمر مستمر حتى الزمن الراهن.

وارتبطت فزان اجتماعيا واقتصاديا مع مناطق تشاد والنيجر وشمال السودان وبعضها في الجنوب الغربي كانت ترتبط مع مناطق الجزائر المحاذية لها.

ونتيجة اتساع نطاق الفراغ السكاني بين الأقاليم الثلاثة، وانعدام البنية التحتية لوسائل النقل والاتصالات لم يكن من السهل قيام نشاط اقتصادي زراعي أو صناعي أو تجاري، وعلاقات اجتماعية بين المجموعات السكانية في الأقاليم الثلاثة إلا في بعض الحالات التي كان لطرق التجارة دور أساسي في توطن جماعات سكانية من برقة في فزان خاصة.

لم ينجح العثمانيون في حقبتيهما وكذلك القرمانليون في الوصول إلى الحد الذي مكنهم من بناء مؤسسات حكم وإدارة مركزية أو محلية تتبع مؤسسات مركزية تمثل دولة بالمفهوم السياسي والاجتماعي الحديث. حتى حركة الهجرة من الغرب إلى الشرق كانت تحكمها عوامل سياسيةطارئة تتعلق بالحروب في حقبة القرمانليين أو عوامل اقتصادية تركزت في حركة جزء من ديمغرافية إقليم طرابلس نحو درنة و بنغازي بالأساس وأقل منها لأسباب دينية تتعلق بالتوجه إلى الديار المقدسة في رحلة الحج.

وكان لهذا الواقع الاجتماعي والاقتصادي تأثيره الواضح في مناطق انتشار ونفوذ وبعد ذلك حكم السنوسيين؛ حيث تمركزوا في برقة وبعض مناطق فزان وبشكل أقل جدا في إقليم طرابلس الذي كانت له منظومة سياسية مثلها العثمانيون والقرمانليون وسلطة دينية مستقرة بالمقارنة بما هو كائن في برقة وفزان.

ابتدأ الليبيون النضال ضد الاحتلال الإيطالي منذ 1911 حتى الإعلان عن الجمهورية ال طرابلس ية تقريبا بشكل منفصل حيث كان يقود المقاومة في الغرب زعامات سياسية واجتماعية ودينية لا ترتبط بالزعامات السنوسية التي تقود المقاومة في برقة من جهة الإدارة والولاء. والاثنتان غير مرتبطتين عضويا واجتماعيا وسياسيا بالمقاومة في فزان إلا في بعض المرات. وربما بدأ التواصل المنتظم والمستمر بعد مؤتمر غريان الذي عقد إثر فشل المفاوضات بين زعماء الجمهورية الطرابلس ية والإيطاليين في طرابلس .

المنظمة الليبية للسياسات و الإستراتيجيات

http://loopsresearch.org/analyses/view/3/?lang=ara لتحميل وقراءة الورقة كاملة اضغط الرابط التالي:

bottom of page